الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
وقال: وقد جاء مدحها فيما لا يحصى من الأخبار وصح «الخيل معقود في نواصها الخير إلى يوم القيامة». وأخرج أحمد عن معقل بن يسار. والنسائي عن أنس «لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل». وميز صلى الله عليه وسلم بعض أصنافها على بعض. فقد أخرج أبو عبيدة عن الشعبي في حديث رفعه «التمسوا الحوائج على الفرس الكميت الارثم المحجل الثلاث المطلق اليد اليمنى». وأخرج أبو داود. والترمذي وحسنه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الشكال من الخيل» واختلف في تفسيره ففي النهاية الشكال في الخيل أن تكون ثلاث قوائم محجلة وواحدة مطلقة تشبيهًا بالشكال الذي يشكل به الخيل لأنه يكون في ثلاث قوائم غالبًا وقيل: هو أن تكون الواحدة محجلة والثلاث مطلقة، وقيل: هو أن تكون احدى يديه وإحدى رجليه من خلاف محجلتين، وإنما كرهه عليه الصلاة والسلام تفاؤلا لأنه كالمشكول صورة، ويمكن أن يكون جرب ذلك الجنس فلم يكن فيه نجابة، وقيل: إذا كان مع ذلك أغرب زالت الكراهة لزوال شبه الشكال انتهى.ولا يخفى عليك أن حديث الشعبي يشكل على القول الأول إلا أن يقال: إنه يخصص عمومه وإن حديث التفاؤل غير ظاهر، والظاهر التشاؤم وقد جاء «إنما الشؤم في ثلاث في الفرس والمرأة والدار» وحمله الطيبي على الكراهة التي سببها ما في هذه الأشياء من مخالفة الشرع أو الطبع كما قيل شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها وشؤم المرأة عقمها وسلاطة لسانها وشؤم الفرس أن لا يغزي عليها، لكن قال الجلال السيوطي في فتح المطلب المبرور: أن حديث التشاؤم بالمرأة والدار والفرس قد اختلف العلماء فيه هل هو على ظاهره أو مؤول؟ والمختار أنه على ظاهره وهو ظاهر قول مالك انتهى.ولا يعارضه ما صح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: ذكر الشؤم عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: «إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس» فانه ليس نصا في استثناء نقيض المقدم وان حمله عياض على ذلك لاحتمال أن يكون على حد قوله صلى الله عليه وسلم: «قد كان فيمن قبلكم من الأمم محدثون فإن يكن في أمتى منهم أحد فإنه عمر بن الخطاب» وقد ذكروا هناك أن التعليق للدلالة على التأكيد والاختصاص ونظيره في ذلك إن كان لي صديق فهو زيد فإن قائله لا يريد به الشك في صداقة زيد بل المبالغة في أن الصداقة مختصة به لا تتخطاه إلى غيره ولا مخطور في اعتقاد ذلك بعد اعتقاد أن المذكورات أمارات وأن الفاعل هو الله تبارك وتعالى: وقرأ الحسن {وَمِنْ رّبَاطِ الخيل} بضم الباء وسكونها جمع رباط، وعطف ما ذكر على القوة بناء على المعنى الأول لها للايذان بفضلها على سائر افرادها كعطف جبريل وميكال على الملائكة عليهم السلام {تُرْهِبُونَ بِهِ} أي تخوفون به، وعن الراغب أن الرهبة والرهب مخافة مع تحرز واضطراب وعن يعقوب أنه قرأ {تُرْهِبُونَ} بالتشديد.وقرأ ابن عباس. ومجاهد {تُخْزُونِ} والضمير المجرور لما استطعتم أو للاعداد وهو الأنسب، والجملة في محل النصب على الحالية من فاعل أعدوا أي أعدوا مرهبين به، أو من الموصول كما قال أبو البقاء، أو من عائدة المحذوف أي أعدوا ما استطعتموه مرهبا به، وفي الآية إشارة إلى عدم تعين القتال لأنه قد يكون لضرب الجزية ونحوه مما يترتب على ارهاب المسلمين بذلك {عَدْوَّ الله} المخالفين لأمره سبحانه: {وَعَدُوَّكُمْ} المتربصين بكم الدوائر، والمراد بهم على ما ذكره جمع أهل مكة وهم في الغاية القصوى من العداوة، وقيل: المراد هم وسائر كفاء العرب {وَءاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ} أي من غيرهم من الكفرة، وقال مجاهد: هم بنو قريظة، وقال مقاتل: وابن زيد: هم المنافقون، وقال السدى: هم أهل فارس.وأخرج الطبراني. وأبو الشيخ. وابن المنذر. وابن مردويه. وابن عساكر. وجماعة عن يزيد بن عبد الله بن غريب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هم الجن ولا يخبل الشيطان إنسانًا في داره فرس عتيق» وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضًا، واختاره الطبري وإذا صح الحديث لا ينبغي العدول عنه، وقوله سبحانه: {لاَ تَعْلَمُونَهُمُ} أي لا تعرفونهم بأعيانهم {الله يَعْلَمُهُمْ} لا غير في غاية الظهور وله وجه على غير ذلك وإطلاق العلم على المعرفة شائع وهو المراد هنا كما عرفت ولذا تعدى إلى مفعول واحد، وإطلاق العلم عنى المعرفة على الله تعالى لا يضر.نعم منع الأكثر إطلاق المعرفة عليه سبحانه وجوزه البعض بناءً على إطلاق العارف عليه تعالى في «نهج البلاغة» وفيه بحث، وبالجملة لا حاجة إلى القول بأن الإطلاق هنا للمشاكلة لما قبله، وجوز أن يكون العلم على أصله ومفعوله الثاني محذوف أي لا تعلمونهم معادين أو محاربين لكم بل الله تعالى يعلمهم كذلك وهو تكلف، واختار بعضهم أن المعنى لا تعلمونهم كما هم عليه من العداوة وقال: إنه الأنسب بما تفيده الجملة الثانية من الحصر نظرًا إلى تعليق المعرفة بالأعيان لأن أعيانهم معلومة لغيره تعالى أيضًا وهو مسلم نظرًا إلى تفسيره، وأما الاحتياج إليه في تفسير النبي صلى الله عليه وسلم ففيه تردد.{وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْء} جل أو قل {فِى سَبِيلِ الله} وهي وجوه الخير والطاعة ويدخل في ذلك النفقة في الإعداد السابق والجهاد دخولًا أوليًا، وبعضهم خصص اعتبارًا للمقام {يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} أي يؤدي بتمامه والمراد يؤدي إليكم جزاؤه فالكلام على تقدير المضاف أو التجوز في الإسناد {وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} بترك الإثابة أو بنقص الثواب، وفي التعبير عن ذلك بالظلم مع أن له سبحانه أن يفعل ما يشاء للمبالغة كما مر.
وقرأ الأشهب العقيلي {فاجنح} بضم النون على أنه من جنح يجنح كقعد يقعد وهي لغة قيس والفتح لغة تميم وهي الفصحى، والآية قيل مخصوصة بأهل الكتاب فإنها كما قال مجاهد. والسدي نزلت في بني قريظة وهي متصلة بقصتهم بناءً على أنهم المعنيون بقوله تعالى: {الذين عاهدت} [الأنفال: 56] إلخ، والضمير في {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ} [الأنفال: 60] لهم، وقيل: هي عامة للكفار لكنها منسوخة بآية السيف لأن مشركي العرب ليس لهم إلا الإسلام أو السيف بخلاف غيرهم فإنه تقبل منهم الجزية، وروي القول بالنسخ عن ابن عباس. ومجاهد. وقتادة، وصحح أن الأمر فيمن تقبل منهم الجزية على ما يرى فيه الإمام صلاح الإسلام وأهله من حرب أو سلم وليس بحتم أن يقاتلوا أبدًا أو يجابوا إلى الهدنة أبدًا، وادعى بعضهم أنه لا يجوز للإمام أن يهادن أكثر من عشر سنين اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه صالح أهل مكة هذه المدة ثم إنهم نقضوا قبل انقضائها كما مر فتذكر، {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} أي فوض أمرك إليه سبحانه ولا تخف أن يظهروا لك السلم وجوانحهم مطوية على المكر والكيد {أَنَّهُ} جل شأنه {هُوَ السميع} فيسمع ما يقولون في خلواتهم من مقالات الخداع {العليم} فيعلم نياتهم فيؤاخذهم بما يستحقونه ويرد كيدهم في نحرهم.
وقال الزجاج: إنه اسم فعل عنى كفاك والكاف في محل نصب، وخطأه فيه أبو حيان لدخول العوامل عليه وإعرابه في نحو بحسبك درهم ولا يكون اسم فعل هكذا {هُوَ} عز وجل: {الذى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ} استئناف مسوق لتعليل كفايته تعالى إياه صلى الله عليه وسلم فإن تأييده عليه الصلاة والسلام فيما سلف على الوجه الذي سلف من دلائل تأييده صلى الله عليه وسلم فيما سيأتي، أي هو الذي أيدك بإمداده من عنده بلا واسطة، أو بالملائكة مع خرقه للعادات {وبالمؤمنين} من المهاجرين والأنصار على ما هو المتبادر.وعن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه. والنعمان بن بشير. وابن عباس. والسدي أنهم الأنصار رضي الله تعالى عنهم.
|